كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي في الخبر أن يوم القيامة تكون هذه الأمة شاهدة على الأمم الأولين، إلا الذين تجري على لسانهم اللعنة.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلًا يلعن بعيره، فقال: «أَتَلْعَنُهَا وَتَرْكَبُهَا؟» فنزل عنها، ولم يركبها أحد.
قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} أي شديد يوم القيامة.
وذكر أن حسان بن ثابت ذهب بصره في آخر عمره، فدخل يومًا على عائشة، فجلس عندها ساعة، ثم خرج، فقيل لها: إن الله تعالى قال: {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
فقالت عائشة: أوليس هذا أعظم؟ يعني: ذهاب بصره؛ ويقال: عذاب عظيم إن لم يتوبوا.
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي بِمَا تكلموا.
ثم قال: {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} يعني: يوفيهم جزاء أعمالهم.
قرأ حمزة والكسائي {يَشْهَدُ} بالياء بلفظ المذكر، والباقون بالتاء بلفظ التأنيث، لأن الفعل مقدم، فيجوز أن يذكر ويؤنث؛ وقرأ مجاهد {الحق} بضم القاف، فيكون الحق نعت لله، وتكون قراءة أبي بن كعب شاهدة له، كأنه يقول: يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم؛ وقراءة العامة الحق بالنصب.
وإنما يكون نصبًا، لنزع الخافض، أي يوفيهم الله ثواب دينهم بالحق، أي بالعدل.
وجه أخر أن يكون الحق نعتًا للدين، ويكون كقوله: {حَقًّا} ثم يدخل عليه الألف واللام.
قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} أي عبادة الله هي الحق المبين؛ ويقال: ما يعلمون أن ما قال الله هو الحق.
{الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ}؛ قال الكلبي: الخبياث من الكلام للخبيثين من الرجال، يعني: عبد الله بن أبي، {والخبيثون} من الرجال {للخبيثات} من الكلام على معنى التكرار والتأكيد؛ ويقال: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، مثل عبد الله بن أبي تكون له زوجة خبيثة زانية، وامرأة النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون زانية خبيثة.
ويقال: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} يعني: لا يتكلم بكلام الخبيث إلا الخبيث، ولا يليق إلا بالخبيث؛ ويقال: الكلمات الخبيثات إنما تلتصق بالخبيثين من الرجال.
ثم قال: {والطيبات لِلطَّيّبِينَ} يعني: الطيبات من الكلام للطيبين من الرجال، ويقال الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، {والطيبون للطيبات} على معنى التكرار والتأكيد.
ثم قال: {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ} يعني: عائشة رضي الله عنها وصفوان مما يقولون من الفرية، {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يعني: رزقًا في الجنة كثيرًا؛ ويقال: {كَرِيمٌ} يعني: حسن.
وذكر ابن عباس أنه دخل على عائشة رضي الله عنها في مرضها الذي ماتت فيه، فذكرت ما كان منها من الخروج في يوم الجمل وغيره، فقال لها ابن عباس: أبشري، فإن الله تعالى يقول: {لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} والله تعالى ينجز وعده.
فسري بذلك عنها.
قوله عز وجل: {كَرِيمٌ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} يعني: بيوتًا ليست لكم حتى تستأنسوا، يعني: حتى تستأذنوا.
وروي عن سعيد بن جبير: أن عبد الله بن عباس كان يقرأ: {حتى} ويقال: تستأذنوا خطأ من الكاتب.
وروي عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: أخطأ الكاتب في قوله: {بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ} وقراءة العامة {تَسْتَأْنِسُواْ}.
وقال القتبي: الاستئناس أن تعلم من في الدار، يقال: استأنست فما رأيت أحدًا، أي استعلمت وتعرفت، ومنه.
قوله: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فادفعوا إِلَيْهِمْ أموالهم وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بالمعروف فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أموالهم فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وكفى بالله حَسِيبًا} [النساء: 6]، أي علمتم.
وروي، عن عدي بن ثابت، عن رجل من الأنصار قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد، فيأتي الأب فيدخل، فكيف أصنع؟ قال: ارجعي.
فنزلت هذه الآية: {كَرِيمٌ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} {حتى تَسْتَأْنِسُواْ}.
قال مجاهد: وهو التنحنح.
{وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني: التسليم والاستئذان خير لكم من أن تدخلوا بغير إذن وسلام، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أن التسليم والاستئذان خير لكم.
قال عز وجل: {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَدًا} يعني: في البيوت يأذن لكم في الدخول، {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ} في الدخول، {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا} ولا تقيموا على أبواب الناس، فلعل لهم حوائج.
{هُوَ أزكى لَكُمْ} يعني: الرجوع أصلح لكم من القيام والقعود على أبواب الناس.
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} إذا دخلتم بإذن أو بغير إذن ثم رخص لهم في البيوت على طريق الناس مثل الرباطات والخانات، وذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، فكيف بالبيوت التي بين الشام ومكة والمدينة التي على ظهر الطريق، ليس لها ساكن، فنزل قوله عز وجل: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} مثل الخانات وبيوت السوق.
{فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} يعني: منافع لكم؛ ويقال: في الخربات التي يدخل فيها لقضاء الحوائج فيها منفعة لكم؛ ويقال: في الخانات منفعة لكم من الحر والبرد.
{والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} من التسليم والاستئذان.
قوله عز وجل: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} يعني: يكفوا أبصارهم ومن صلة في الكلام.
{وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} عما لا يحل لهم؛ وقال أبو العالية الرياحي: كلما ذكر حفظ الفرج في القرآن، أراد به الحفظ عن الزنى؛ إلا هاهنا، فإن المراد به هاهنا الستر عن النظر، يعني: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم عن عورات النساء، ويحفظوا فروجهم عن أبصار الناس؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي رضي الله عنه: «يا عَلِيُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإنَّ الأُولَى لَكَ وَالأُخْرَى عَلَيْكَ».
وروي عن عيسى ابن مريم أنه قال: إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب.
قوله: {ذلك أزكى لَكُمْ} وأطهر من الزينة، يعني: غض البصر والحفظ خير لكم من ترك الحفظ والنظر.
ثم قال: {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} يعني: عالم بهم.
قوله عز وجل: {وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} يعني: يحفظن أبصارهن عن الحرام، {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} عن الفواحش، {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}؛ يعني: لا يظهرن مواضع زينتهن، {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: وجهها وكفيها، وهكذا قال إبراهيم النخعي.
وروي أيضًا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الوجه والكفان، وهكذا قال الشعبي.
وروى نافع، عن ابن عمر أنه قال: الوجه والكفان، وقال مجاهد: الكحل والخضاب.
وروى أبو صالح، عن ابن عباس: الكحل والخاتم.
وروي، عن ابن عباس في رواية أُخرى، إلا ما ظهر منها، أي فوق الثياب.
وروى أبو إسحاق، عن ابن مسعود أنه قال: ثيابها، وروي عن ابن مسعود رواية أُخرى أنه سئل عن قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فتقنع عبد الله بن مسعود، وغطى وجهه وأبدى عن إحدى عينيه.
ثم قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} يعني: على الصدر والنحر.
قال ابن عباس: وكان النساء قبل هذه الآية يسدلن خمرهن من ورائهن، كما تفعل النبط.
فلما نزلت هذه الآية، سدلن الخمر على الصدر والنحر.
ثم قال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يعني: لا يظهرن مواضع زينتهن، وهو الصدر والساق والساعد والرأس، لأن الصدر موضع الوشاح، والساعد موضع الخلخال، والساق موضع السوار، والرأس موضع الإكليل، فقد ذكر الزينة وأراد بها موضع الزينة.
{إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} يعني: لأزواجهن، {وَقُل للمؤمنات}؛ يعني: يجوز للآباء النظر إلى مواضع زينتهن، {وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ}.
وقد ذكر في الآية بعض ذوي الرحم المحرم، فيكون فيه دليل على ما كان بمعناه، لأنه لم يذكر فيها الأعمام والأخوال، ولكن الآية إذا نزلت في شيء، فقد نزلت فيما هو في معناه، والأعمام والأخوال بمعنى الإخوة وبني الإخوة، لأنه ذو رحم محرم.
وقد ذكر الأبناء في آية أُخرى، وهي قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاءِ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاءِ أخواتهن وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ واتقين الله إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شيء شَهِيدًا} [الأحزاب: 55].
والنظر إلى النساء على أربع مراتب: في وجه يجوز النظر إلى جميع أعضائها، وهو النظر إلى زوجته وأمته، وفي وجه يجوز النظر إلى الوجه والكفين، وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرمًا لها، ويأمن كل واحد منهما على نفسه، فلا بأس بالنظر عند الحاجة؛ وفي وجه يجوز النظر إلى الصدر والرأس والساق والساعد، وهو النظر إلى امرأة ذي رحم أو ذات رحم محرم، مثل الأخت والأم والعمة والخالة وأولاد الأخ والأخت وامرأة الأب وامرأة الابن وأم المرأة سواء كان من قبل الرضاع أو من قبل النسب، وفي وجه لا يجوز النظر إلى شيء، وهو أن يخاف أن يقع في الإثم إذا نظر.
ثم قال تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني: نساء أهل دينهن ويكره للمرأة أن تظهر مواضع زينتها عند امرأة كتابية لأنها تصف ذلك عند غيرها ويقال: نسائهن يعني: العفائف ولا ينبغي أن تنظر إليها المرأة الفاجرة، لأنها تصف ذلك عند الرجال.
ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} يعني: الجواري، فإنها نزلت في الإماء؛ وقال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم هذه الآية.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} يعني: الجواري، فإنها نزلت في الإماء لا ينبغي للمرأة أن ينظر العبد إلى شعرها، ولا إلى شيء من محاسنها؛ وقال مجاهد: في بعض القراءات {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} الذين لم يبلغوا الحلم.
وروى سفيان، عن ليث قال: كان بعضهم يقرأ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} من الصغار وقال الشعبي: لا ينظر العبد إلى مولاته، ولا إلى شعرة منها.
ثم قال تعالى: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِى الإربة} يعني: الخادم أو الأجير للمرأة، يعني: غير ذوي الحاجة مثل الشيخ الكبير ونحوه، وقال مجاهد: هو الذي لا إرب له، أي لا حاجة له بالنساء، مثل فلان، وكذا روى الشعبي عن علقمة، وقال الحسن والزهري: غير أولي الإربة هو الأحمق؛ وقال الضحاك هو الأبله؛ ويقال: هو الذي طبعه طبع النساء، فلا يكون له شهوة الرجال.
وسئلت عائشة رضي الله عنها هل يرى الخصي حسن المرأة قالت: لا، ولا كرامة، أليس هو رجل؟ قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {غَيْرِ أُوْلِى الإربة} بنصب الراء، وقرأ الباقون بالكسر.
فمن قرأ بالكسر، يكون على النعت للتابعين، فيكون معناها التابعين الذين هذه حالهم؛ ومن نصب، أراد به الاستثناء، والمعنى إلا أولي الإربة.
ثم قال: {مِنَ الرجال أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} يعني: لم يطلعوا ولم يشتهوا الجماع.
ثم قال: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} يعني: لا يضربن بإحدى أرجلهن على الأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال، {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}؛ يعني: ما يواري الثياب من زينتهن.
وروى سفيان، عن السدي قال: كانت المرأة تمر على المجلس وفي رجلها الخلخال؛ فإذا جازت بالقوم، ضربت رجلها ليصوت خلخالها، فنزلت: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} وقال بعض المفسرين: قد علم الله تعالى أن من النساء من تكون حمقاء، فتحرك رجلها ليعلم أن لها خلخالًا، فنهي النساء أن يفعلن، كما تفعل الحمقاء.